ما هي الحياة؟
كثيراً ما نردّد في حديثنا كلمة الحياة ومع هذا لا نفهم معناها رغماً من
استطلاع حقيقتها. أهي مجموع القوى التي تحول دون الفناء والاضمحلال أم
الروح التي تستخدم قوى الطبيعة للظهور؟ وكأن الحياة لغز غامض أو سر أزلي
دفين. إن أردت فقل: إن الحياة حلم، أو خيال، أو أغنية، أو سباق نحو النموّ
العاقل أو الكمال المطلق، أو معرفة الذات، أو الخير الأعظم. إن الحياة
الطبيعية تدنّي بالإنسان إلى حضيض المادية والحيوانية. لكن مجتمع الأشجار،
وبسمات الأزهار، ومرقص الحقول، وغموض الطبيعة، بل سقطات الأوراق، وأنفاس
البشر الأخيرة تؤكد الخلود. إذن فللحياة عنصر آخر، قد يكون لها طابع روحي
خاص، له أصل أزلي ومظهر أبدي يتمثل في الولادة والنمو والنضوج والغرس
الإلهي. هذا الأمر يحتاج إلى الفهم والتحديد، بل إلى البحث والتنقيب،
فالمادة لا تفنى ولا توجد من العدم.
أن المشكلة تكمن في أن المعرفة أصبحت شيئاً لا محسوساً، لا مادياً وبذلك
رحلة العلم لا تزيد عن كونها رحلة احتمالات ونظريات تسعى نحو التقنيات
واليقينيات عن طريق الشك والبحث والتفاعلات. هذه هي نظرية التعقد
والمبادرات والبديهيات التي تبدأ بالإنسان أو الكون لتصل إلى اختراع جديد
أو فكر اجتماعي متقدم أو ثقافة بينية أو نظام متطور للمعلومات. إنها
تيارات فكرية لتنظيمات اجتماعية أو نقلة معرفية لا تلغي الحوار ولا تربط
المنظور باللامنظور إلا عندما تواكب الإنسان المشاكل وتدق الحاجة أبواب
التكيف والتقييم البشري والنظام الوجودي. وهنا دور الفلسفة، فالدين لا يرى
حقائق تاريخية خطيرة أو مهمة في العلم، فالعلم بالنسبة للدين أرشيف
المعلومات الفورية وصورة لاحتكار المحتوى الفوري. إن العلم مبني على
الأسباب أما الدين فمبني على الاختبار. إن العلم والدين توأمان يكمل
أحدهما الآخر ويسعيان نحو المعرفة الغائبة والحقيقة اللانهائية.
إن الحياة التي أعلنها المسيح تنبع من روحه كما في الخلق. إنها تكمن في
شخصية قادرة على إظهار الروح في مظهر أعلى من حاسة التمييز لتعلن للإنسان
حقيقة الله. ”وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك“.
فالخلاص طريق المعرفة، والإيمان طريق المعرفة، والتأمل طريق المعرفة،
والكلمة طريق المعرفة، والتشخيص طريق المعرفة، والعلم طريق المعرفة، والحب
طريق المعرفة، والمسيح طريق المعرفة، والصليب طريق المعرفة، فهل عرفت طريق
المعرفة؟ قال المسيح: ”أنا هو الطريق والحق والحياة“.
وبدأت شمس الأصيل تدفئ الكون وتنشر ضياء الحياة، فاهتزّ كياني ورأيت لمسة
الخالق في الوجود. وفي هدوء الصباح وجدت قلبي يناجيه: يا رب! في كل يوم
جديد، هبني باباً مفتوحاً لعالم جديد، ورؤى جديدة، وأهدافاً جديدة،
ومهاماً جديدة حتى أقابل الفشل بالطموح واليأس بالمثابرة والعوائق بالحكمة
والاعتراضات بالغايات الخالدة.